Thursday 25 April 2013

من أراد ان يفرح بي فليفرح بي كما أنا

"مهندس ولا دكتور"
 "مش حنفرح بيك(ي)"
"- أنا جبت ساعة جديدة
 - طيب عقبال العريس/العروسة"

 جمل واكلشيهات كثيرة اتعودنا نسمعها كل يوم من ساعة مابنتولد وبتمتد معانا طول عمرنا. في الحقيقة أنا مش ناوي أتكلم عن الجواز أو شقة التجمع والعربية (كروز/سيراتو/الانترا) أو صورة الدبل أو حتى امتحان ثانوية عامة اللي الفيزياء جت فيه فوق مستوى الطالب المتوسط. أنا حتكلم بشكل اعم وعن موضوع اكبر واشمل من كل ده وهو القولبة


 في الواقع القولبة هي وضع الشيء في قالب معد مسبقا لإضفاء شكل وابعاد محددة عليه. وبذلك يصبح من السهل اعادة إنتاج كيان معين بنفس الشكل والابعاد ونفس معايير التقييم. وعلى الرغم من أهمية العملية صناعيا وان اكتشاف هذه العملية هو أحد المحركات الاساسية للثورة الصناعية إلا انها تنتحي منحى آخر عندما تصبح عملية اجتماعية.

فالقولبة الاجتماعية تضع نفس القالب محدد الأشكال والابعاد على الأشخاص الذين يحيون في هذا المجتمع وبالتالي يدور المجتمع في حلقة مفرغة من الموروثات والعادات المتناقلة عبر الاجيال دون مراجعة دورية حتى تفرغ من معناها الحقيقي والحاجة اليها وبالتالي يكون الافراز الاجتماعي هو اعادة شكلية لحلقة سابقة من هذا المجتمع.
إذا تأملنا في هذا التقولب الاجتماعي نجد انه ينبت منذ سنين الطفولة الاولى فـالتنشئة في مجتمعنا تتم على أساس تجريبي بحت وعدم دراية في الغالب بالتكوين النفسي والعقلى للطفل أو احتياجاته العقلية والنفسية وهي بذلك تتسم بالحاجة لإسقاط شخصية الوالدين وتطلعاتهم الشخصية التي نجحوا في تحقيقها أو لم ينجحوا وبذلك يكون النموذج الأول للتعليم الابوي هو الغاء الشخصية المستقلة للطفل و الإيعاز باهمية السلطة وقدرتها المطلقة على الحكم وبذلك يصبح التسلط الابوي هو أول منبت للركون السلطوي في حياة الطفل 

  ومع المرحلة الثانية من الطفولة وبداية التعليم المدرسي والخروج للمجتمع الأكبر بالمقارنة بالمجتمع المنغلق للأسرة تبدأ التناقضات في حياة الطفل وهي تناقضات نابعة من صدمات منطقية تتأتى من تفاعله مع عناصر اكثر من المجتمع. فـالصدمة الأولى هي وجود اراء مغايرة للآراء التي تعود على عدم مناقشتها وفي الغالب هي اراء لممثلين اخرين للسلطة الأبوية الأولى التي نشأ على عدم مناقشتها  . وفي نفس الوقت يبدأ الطفل بالتفاعل المجتمعي وتكوين خبرات شخصية من المواقف التي يتعرض لها. ويأتي هذا التناقض على وجهين, أولهما هو السابق ذكره وثانيهما هو النموذج التعليمي المقدم للطفل. فالتعليم في الغالب يكون تعليم تلقيني (Rote Learning) و هو من أهم السمات الفكرية للقولبة, لانه يعتمد على حفظ نموذج معد مسبقا دون محاولة نقده أو التعديل عليه. ويأتي التناقض الفكري هنا لبداية تكوين العملية الفكرية للطفل (Cognitive function) فـيجد تصادم مابين حاجته الطبيعية لابداء رأيه والمقاومة الشديدة لهذا الراي  من المحيطين به.

ولا يسعنا ان نتكلم عن التعليم دون ذكر المرأة. لأن المرأة في مجتمعنا هي أكبر ضحية للقولبة ويبدأ ذلك ايضا من البيت والمدرسة. فـتنشئة البنت تتم في الغالب على اساس من عدم المساواه مع الولد سواء داخل البيت أو في الاطار الاجتماعي . فـالابن الذكر له حقوق لمجرد انه ذكر دون مجهود منه, بل مجرد صدفة جينية. وعلى العكس تماما تصبح البنت ملامة على اشياء لنفس الصدفة. فـتقولب في دور ثانوي اجتماعي  هدفه مساندة الرجل ودعمه. فوراء كل رجل عظيم امرأة. واقدم جملة تدرس في كتب التعليم هي "أمي تطبخ وابي يعمل في الحقل" ومثيلات  هذه الجملة تزرع في فكر الطفل منذ الصغر فـتجعله يؤمن ان طموح المرأة لا يجب ان يخرج عن هذا النطاق  المحدد مسبقا لها. و بالتالي يصبح وجود المرأة خارج هذا القالب كيان غير مريح أو مقبول اجتماعيا. وعلى هذا المنوال يصبح المجتمع ذكوري النزعة ينظر للمرأة ككيان اعتمادي غير قائم بذاته ولكنه في كنف الكيان الذكري المتفوق, أو ظل الرجل كما تتداول. اغلب الظن ان هذه النقطة قد تثير استياء الكثيرين. وسأطرح السؤال التالي واجابته ستحدد مدى صحة فرضيتي التالية والسابقة أيضًا. إذا تعارض الطموح الشخصي للمرأة مع وجود حياة اجتماعية تقليدية. فـايهما ستختار. وهذا سؤال للسيدات فقط أما السؤال العام هو وما رأيك في صاحبة كل اختيار من الإثنين.
أما النقطة الجدلية ولكنها هي الاستنتاج المنطقي من هذه الذكورية هي الذكورية النسائية. أي اعتقاد نسائي في وجهة النظر الذكورية للمجتمع ودور المرأة الثانوي التابع. و لن أتكلم عن الامثلة التقليدية لهذا لانها لا تمثل مااربو اليه بشكل دقيق. ولكن في احدى الازمات الحديثة التي تمثل ذكورية المجتمع وهي التحرش الجنسي . تجد بعض السيدات يلمن المرأة على هذا التحرش ويحصرنها في الادّاه الجنسية التي يضعها فيها المجتمع الذكوري المنحدر فكريا الذي نعيشه الآن 

وهذا التبني الفكري هو مثال واضح على حالة نفسية معروفة هي التهيئة الكلاسيكية (classical conditioning) وهي مرادف نفسي لحالة القولبة الاجتماعية والنفسية. وتعرف هذه الحالة على تقبل وتبني رد فعل في اللاوعي الانساني بناءا على تدريب مستمر على هذه الحالة. فـمثلا إذا استمعت لمقطوعة موسيقية معينة في ظرف محيط معين للعديد من المرات ترتبط هذه المقطوعة برد فعلك على هذا الظرف حتى في حالة عدم حدوثه. ويمكنك القيام بتجربة بسيطة على هذا النشاط  بأن تستمع في وسط النهار  لنغمة منبهك الذي يوقظك في الصباح وتسجيل ردة فعلك. وخطورة هذه التهيئة اخطر مايمكن ان تصل اليه القولبة لانها تصبح موجودة في اللاوعي.


إذًا انتهيت من سرد وجهة نظري عن القولبة واحب ان الخص مااراه من أضرارها على الفرد وبالتالي على التقدم الفكري والسلامة النفسية للمجتمع. واولها هو قتل الابداع. فمعارضة الوظيفة الفكرية للطفل يقوض قدرته على الخلق والتصور بسبب تحديد ابعاد شخصيته دون تدخل منه أو خبرات تعليمية في حياته. العرض الثاني هو الاتكالية. فالشخصية المقولبة لا تتحمل مسئولية كاملة عن افعالها. بالطبع لانها افعال مسلسلة اجتماعيا ومقبولة فالحاجة لتقييم صحتها من خطأها وتحمل تبعات هذا التقييم معدومة. فـهذا الشخص تعلم ماقيل له ان يتعلمه وتربى على ماقيل له انه صواب واصبحت مساهمته البشرية مايتوقع منه وماتم اسقاطه عليه اجتماعياوبذلك يصبح شخص سلبي عدواني ينتقد كل ماحوله دون ان يتحرك لتغييره. وفي قمة  هذا إذا وصلت القولبة إلى اللاوعي يصبح الإنسان دوجماتي. أي يصبح ايمانه بما يعتقد فيه ناتج عن حالة من القبول المطلق الغير مسبب فـهو لا يدرك لم لا يرفض هذا السلوك ولكنه لا يستطيع رفض هذا السلوك أو هذا المعتقد. وبذلك يصبح في حالة عدم توازن مابين اركان النفس الثلاثة, الهو (النفس الحيوانية الغريزية) و الانا (النفس المتطلعة الانانية التي تدفع صاحبها للامام) والأنا العليا (الضمير). 


وعلى ذلك إذا  أراد أحد ما ان يفرح بك فليفرح بك لذاتك ولنجاحك فيما تريد. ومن لا يقبل بذلك فـعليه ان يتعالج من المناخوليا(بمعناها العلمي وليس الشعبي). 





No comments:

Post a Comment