Friday 28 June 2013

آفة حارتنا

انتهيت من قراءة اولاد حارتنا لنجيب محفوظ, أو بالاحرى انتهيت من العيش داخل حارة الجبلاوي. فالرواية رائعة بكل مقايس العمل الادبي. فالسرد القصصي فريد من نوعه والأسلوب راقي واللغة سليمة التركيب لدرجة الأستاذية. وذاك المتوقع من قامة نجيب محفوظ.

أما مايهمني هنا حقا هو جدلية الاسقاط  الإلهي الرسولي المتنازع عليها طويلا والتي كادت تودي بحياة صاحب الحكاية نفسه. فـأولا واخيرا الاسقاط موجود. على الرغم من ان ديباجة الكتاب بقلم الدكتور محمد سليم العوا تنفي ذلك ولكنه موجود, ولكن هل هذه طامة ام لا كان هذا هو تساؤلي الشاغل وأنا أتابع حياة أبناء الحارة حتى انتهى السرد. وكانت كل أقصوصة من الحكاية تقربني اكثر من ظن جال بي في أوائل الحكاية وكان هذا الظن هو إجابة عن طبيعة الاسقاط نفسه وهذا ماوجدت.

 فالإسقاط ليس كينوني يقارن كيانين ويقرنهما سويا وبالتالي هو يخرج محفوظ من شبهة التجديف التي احاطه بها نصي الفكر سطحي العقل قصيري الخيال. وايضا هو ليس اسقاط وصفي يضع  صفات دخيلة على الذات الالهية أو الانبياء ولكنه اسقاط موقفي فـهو على النقيض تماما يأخذ من حياة الرسل ويكرر مواقف من حياتهم ببعد انساني آخر بعيد عن القدسية والعصمة مما يؤكد الفكرة الفلسفية ان حوادث الدنيا تتكرر في كل الازمان وان الناس لا تتبدل طباعها أو حتى طموحاتها.
 فالرواية تتعرض لافكار مثل الكبر والتوبة واللعنة وشقاء الحياة وصبو الناس للراحة الابدية مع عدم قدرتهم على تعريف هذه الراحة. فـهل الراحة هي الدعة بلا عمل والتنعم بلا شقاء. ام هي العدل المطلق ام هي التنزه عن كل مغريات الحياة فـتكون الدعة في صفاء النفس ام هي مجموع كل ذلك.وكيف تستحيل كل هذه الاوجه إلى نقيضاتها. فـتصبح الدعة عنفوان وفتوة ويصير العدل بطشا ويمسي جمعهما كهنوت. وكيف ان أهل الحارة لا يعرفون قدر الحواديت ولكنهم لا يتعظون. وهكذا ينتهي كل ذي سيرة عطرة وحياة باهرة بنهاية حزينة وتعود الحارة لما كانت عليه!وكيف تنتهي قصة الحارة عندما يأتي من يحاول ان يعطي أهل الحارة السحر الذي ينهي شقاءهم بيد ان سحره ينقلب ويصبح قوة ضاربة بيد العنفوان وهذا آخر اسقاط على العلم الذي اصبح سيفا آخر مسلط على الناس. لكنهم لم يفقدوا الامل فيه لأنه اصبح ملكهم وحاولوا مطاردته حتى يجدوه فيحيوا الحياة الابدية السعيدة.

وبذلك فـإن كان داء حارتنا الفتونة ومرضها الغرور والتفاخر. فـإن آفة حارتنا النسيان  

No comments:

Post a Comment